فصل: من فوائد محمد الغزالي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {لقد كفر الذين قالوا إِن الله ثالث ثلاثة} قال مجاهد: هم النصارى.
قال وهب بن منبّه: لما وُلد عيسى لم يبق صنم إِلا خرَّ لوجهه، فاجتمعت الشياطين إِلى إِبليس، فأخبروه، فذهب فطاف أقطار الأرض، ثم رجع، فقال: هذا المولود الذي ولد من غير ذكر، أردت أن أنظر إِليه، فوجدت الملائكة قد حفّت بأمِّه، فليتخلف عندي اثنان من مردتكم، فلما أصبح، خرج بهما في صورة الرجال، فأتوا مسجد بني إِسرائيل وهم يتحدثون بأمر عيسى، ويقولون: مولود من غير أب.
فقال إِبليس: ما هذا ببشر، ولكن الله أحبَّ أن يتمثّل في امرأةٍ ليختبر العباد، فقال أحد صاحبيه: ما أعظم ما قلت، ولكن الله أحب أن يتخذ ولدًا.
وقال الثالث: ما أعظم ما قلت، ولكن الله أراد أن يجعل إِلها في الأرض، فألقوا هذا الكلام على ألسنة الناس، ثم تفرَّقوا، فتكلم به الناس.
وقال محمد بن كعب: لما رُفع عيسى اجتمع مائة من علماء بني إِسرائيل، وانتخبوا منهم أربعة، فقال أحدهما: عيسى هو الله كان في الأرض ما بدا له، ثم صعِد إِلى السماء، لأنه لا يحيي الموتى ولا يبرئ الأكمه والأبرص إِلا الله.
وقال الثاني: ليس كذلك، لأنا قد عرفنا عيسى، وعرفنا أُمه، ولكنّه ابن الله.
وقال الثالث: لا أقول كما قلتما، ولكن جاءت به أُمه من عمل غير صالح.
فقال الرابع: لقد قلتم قبيحًا، ولكنه عبد الله ورسوله، وكلمته، فخرجوا، فاتبع كلَّ رجل منهم عُنُقٌ من الناس.
قال المفسّرون: ومعنى الآية: أن النصارى قالت: الإِلهية مشتركة بين الله وعيسى ومريم، وكل واحد منهم إِلهٌ.
وفي الآية إِضمار، فالمعنى: ثالث ثلاثة آلهة، فحذف ذكر الآلهة، لأن المعنى مفهوم، لأنه لا يكفر من قال: هو ثالث ثلاثة، ولم يرد الآلهة، لأنه ما من اثنين إِلا وهو ثالثهما، وقد دل على المحذوف قوله: {وما من إِلهٍ إِلا إِلهٌ واحدٌ}.
قال الزجاج: ومعنى ثالث ثلاثة: أنه أحد ثلاثة.
ودخلت «من» في قوله: {وما من إِلهٍ} للتوكيد.
والذين كفروا منهم، هم المقيمون على هذا القول.
وقال ابن جرير: المعنى: ليَمسّن الذين يقولون: المسيح هو الله، والذين يقولون: إِن الله ثالث ثلاثة، وكل كافر يسلك سبيلهم، عذابٌ أليم. اهـ.

.قال السعدي:

{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} وهذا من أقوال النصارى المنصورة عندهم، زعموا أن الله ثالث ثلاثة: الله، وعيسى، ومريم، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا.
وهذا أكبر دليل على قلة عقول النصارى، كيف قبلوا هذه المقالة الشنعاء، والعقيدة القبيحة؟! كيف اشتبه عليهم الخالق بالمخلوقين؟! كيف خفي عليهم رب العالمين؟! قال تعالى- رادا عليهم وعلى أشباههم-: {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ} متصف بكل صفة كمال، منزه عن كل نقص، منفرد بالخلق والتدبير، ما بالخلق من نعمة إلا منه. فكيف يجعل معه إله غيره؟ تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
ثم توعدهم بقوله: {وَإِن لَّمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ}.
معناه أحدُ الثلاثةِ، ولذلك منع الجمهورُ أن يُنْصَبَ ما بعده، لا تقولُ: ثَالِثٌ ثلاثةً، ولا رَابعٌ أربعةً؛ قالوا: لأنه اسمُ فاعلٍ، ويعملُ عَمَلَ فعله، وهنا لا يقع موقعَه فعلٌ؛ إذ لا يقال: رَبَّعْتُ الأرْبَعَةَ، ولا ثَلَّثْتُ الثلاثةَ، وأيضًا: فإنه أحدُ الثلاثة؛ فيلزم أن يعمل في نَفْسِهِ، وأجاز النصْبَ بمثلِ هذا ثَعْلَبٌ، وردَّه عليه الجمهورُ بما ذُكِرَ، أمَّا إذا كان من غيرِ لَفْظِ ما بعده، فإنه يجوزُ فيه الوجْهَان: النصبُ، والإضافة؛ نحو: رَابعٌ ثلاثةً، وإن شئْتَ: ثَلاثَةٍ، واعلم: أنه يجوز أن يُشتقَّ من واحد إلى عَشَرَةٍ صيغةُ اسمِ فاعلٍ؛ نحو: «وَاحِد»، ويجوز قلبه فيقال: حَادِي وثَانِي وثالِث إلى عَاشِر، وحينئذٍ: يجوز أن يستعملَ مفردًا؛ فيقال: ثَالِثٌ ورَابعٌ؛ كما يقال: ثلاثةٌ وأربعةٌ من غير ذكرِ مفسِّرٍ، وأن يستعمل استعمالَ أسماءِ الفاعلينَ؛ إنْ وقع بعده مغايرُهُ لفظًا، ولا يكونُ إلا ما دونهُ برتْبةٍ واحدةٍ؛ نحو عَاشِرُ تِسْعَةٍ، وتَاسِعُ ثَمَانِيَةٍ، فلا يجامعُ ما دونَه برتبتين؛ نحو: عَاشِرُ ثمانِيَةٍ، ولا ثَامِنُ أرْبَعَةٍ، ولا يُجامِعُ ما فوقه مطلقًا، فلا يقال: تَاسِعُ عشرةٍ ولا رَابعُ ستَّةٍ.
إذا تقرَّر ذلك فيعطى حكم اسم الفاعل؛ فلا يعملُ إلا بشروطه، وأمَّا إذا جامع موافقًا [له لفظًا] وجبتْ إضافتُه؛ نحو: ثَالثُ ثلاثةٍ، وثَاني اثْنَيْنِ، وتقدَّم خلاف ثَعْلَبٍ، ويجوز أن يُبْنَى أيضًا من أحَدَ عشر، إلى تِسْعَة عشر، فيقال: حَادِي عشرَ وثالثَ عشرَ، ويجوز أنْ يُستعمل مفْردًا؛ كما ذكرنا، ويجوز أن يُسْتَعْمَل مجامعًا لغيره، ولا يكونُ إلا موافقًا، فيقال: حَادِي عشر أحدَ عشرَ، وثالثَ عشرَ ثلاثةَ عشرَ، ولا يقالُ: ثالثَ عشرَ اثْنَيْ عشرَ، وإن كان بعضُهم خالفَ، وحكمُ المؤنثِ كحكْمه في الصفَاتِ الصريحةِ، فيقال: ثَالِثَة ورابعة، وحادية عشْرَةَ، وثَالِثَة عشْرَةَ ثلاثَ عَشْرَة، وله أحكامٌ كثيرة مذكورة في كُتب النَّحْو.
قوله تعالى: {وَمَا مِنْ إله} «مِنْ» زائدةٌ في المبتدأ؛ لوجود الشرطين، وهما كونُ الكلام غير إيجابٍ، وتنكيرُ ما جرَّتْهُ، و«إلهٌ» بدل من محلِّ {إلهٍ} المجرورِ بـ «مِنْ» الاستغراقية؛ لأن محلَّه رفعٌ كما تقدَّم، وما إلهٌ في الوجُودِ إلاَّ إلهٌ مُتَّصِفٌ بالوحْدَانية، قال الزمخشريُّ: «مِنْ» في قوله: {مِنْ إلهٍ} للاستغراقِ، وهي المقدَّرةُ مع «لاَ» التي لنفي الجنْسِ في قولك: «لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ» والمعنى: وما مِنْ إلهٍ قَطُّ في الوجُود إلاَّ إلهٌ مُتَّصِفٌ بالوحدانيَّة، وهو الله تعالى، فقد تحصَّل مِنْ هذا أنَّ {مِنْ إلهٍ} مبتدأ، وخبرُه محذوفٌ، و«إلاَّ إلَهٌ» بدلٌ على المحلِّ، قال مكي: «ويجوزُ في الكلام النصبُ: «إلاَّ إلهًا» على الاستثناء»، قال أبو البقاء: «ولو قُرئَ بالجرِّ بدلًا من لَفْظ «إلهٍ»، لكان جائزًا في العربيَّة»، قال شهاب الدين: ليس كما قال؛ لأنه يلزمُ زيادةُ «مِنْ» في الواجبِ؛ لأن النفي انتقضَ بـ «إلاَّ»، لو قلت: «ما قَامَ إلاَّ مِنْ رَجُلٍ»، لم يَجُزْ فكذا هذا، وإنما يجوزُ ذلك على رأي الكوفيين والأخفش؛ فإنَّ الكوفيين يشترطون تنكيرَ مجرورها فقط، والأخفشُ لا يشترط شيئًا، قال مكي «واختار الكسائيُّ الخفضَ على البدل من لفظ «إلهٍ»، وهو بعيدٌ؛ لأنَّ «مِنْ» لا تُزَاد في الواجبِ»، قال شهاب الدين: ولو ذهبَ ذاهبٌ إلى أنَّ قوله: «إلاَّ إلهٌ» خبر المبتدأ، وتكونُ المسألةُ من الاستثناءِ المفرَّغِ، كأنه قيل: ما إلَهٌ إلاَّ إلَهٌ مُتَّصِفٌ بالواحدِ، لما ظهر له منعٌ، لكنِّي لم أرَهُمْ قالوه، وفيه مجالٌ للنظر.
قوله: {لَيَمَسَّنَّ} جوابُ قَسَم مَحْذُوفٍ، وجوابُ الشرطِ محذوفٌ؛ لدلالةِ هذا عليه، والتقديرُ: واللَّهِ، إنْ لَمْ يَنْتَهُوا لَيَمَسَّنَّ، وجاء هذا على القاعدَةِ التي قَرَّرْتُهَا: وهو أنه إذا اجتمعَ شرطٌ وقَسَمٌ أُجيبَ سابقُهما ما لم يسبقْهُمَا ذو خَبَرٍ، وقد يجابُ الشرطُ مطْلقًا، وقد تقدَّم أيضًا: أن فعلَ الشرطِ حينئذٍ لا يكون إلا ماضيًا لفظًا ومعنًى لا لفظًا كهذه الآية، فإنْ قيلَ: السابقُ هنا الشرطُ؛ إذ القسمُ مقدَّرٌ، فيكونُ تقديرُه متأخِّرًا، فالجوابُ أنه لو قُصِدَ تأخُّرُ القسَمِ في التقدير، لأجيبَ الشرْطُ، فلمَّا أُجِيبَ القسمُ، عُلِمَ أنه مقدَّرُ التقديمِ، وعبَّر بعضهم عَنْ هذا، فقال: لامُ التوطئةِ للقسمِ قد تُحْذَفُ ويُراعَى حكمُها؛ كهذه الآيةَ؛ إذ التقدير: {ولَئِنْ لَمْ} كما صرَّح بهذا في غير موضع؛ كقوله: {لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ المنافقون} [الأحزاب: 60]؛ ونظيرُ هذه الآية قوله: {وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ} [الأعراف: 23] {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: 121]، وتقدَّم أنَّ هذا النوع من جواب القسمِ يجبُ أن يُتلقَّى باللام وإحدى النونَيْنِ عند البصريِّين، إلاَّ ما استثني، كما تقدَّمَ، قال الزمخشريُّ: «فإنْ قلت: فهلاَّ قيل: لَيَمسُّهُمْ عذابٌ، قلتُ: في إقامة الظاهر مقامَ المضْمَرِ فائدةٌ، وهي تكريرُ الشهادة عليهم بالكُفْر».
وقوله: {مِنْهُمْ} في محلِّ نصبٍ على الحال، قال أبو البقاء: إمَّا من {الَّذِينَ}، وإمَّا من ضمير الفاعل في {كَفَرُوا}، قلتُ: لم يتغيَّر الحكمُ في المعنى؛ لأن الضميرَ الفاعِلَ هو نَفْسُ الموصُولِ، وإنما الخلافُ لفظيٌّ، وقال الزمخشريُّ: «مِنْ» في قوله تعالى: {لَيَمَسَّنَّ الذين كَفَرُواْ} للبيان كالتي في قوله: {فاجتنبوا الرجس مِنَ الأوثان} [الحج: 30] قال شهاب الدين: فعلى هذا يتعلقُ {مِنْهُمْ} بمحذوفٍ، فإن قلتَ: هو على جعله حالًا متعلقٌ أيضًا بمحذوف، قلت: الفرقُ بينهما أنَّ جَعْلَهُ حالًا يتعلَّقُ بمحذوفٍ، ذلك المحذوفُ هو الحالُ في الحقيقة، وعلى هذا الوجه يتعلَّقُ بفعلٍ مفسِّرٍ للموصولِ الأول، كأنه قيل: أعني منهُمْ، ولا محلَّ لـ «أعْنِي»؛ لأنها جملةٌ تفسيريةٌ، وقال أبو حيان: «و «مِنْ» في {مِنْهُمْ} للتبعيض، أي: كائنًا منهُمْ، والربطُ حاصلٌ بالضمير، فكأنه قيل: كَافرُهُمْ، وليسوا كلهم بَقُوا على الكُفْر».
انتهى، يعني: هذا تقديرٌ لكونها تبعيضيةً، وهو معنى كونها في محلِّ نصبٍ على الحال. اهـ. باختصار.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ}.
بلغ الخذلانُ بهم حدًا أَنْ كابروا الضرورة فحكموا للواحد بأنه ثلاثة، ولا يخفى فسادٌ هذا على مجنونٍ.. فكيف على عاقل؟! اهـ.

.من فوائد محمد الغزالي:

قال رحمه الله:
تحرك ضد عقيدة التوحيد يتعرض له أبناؤنا لا يستطيع عاقل أن يقول: إن يوم النصرانية في أوربا وأمريكا طيب، فالإلحاد شائع، والزنا والربا أشيع، والركض في أودية الحياة ابتغاء المتاع العاجل هو السمة الظاهرة، وبدع الشباب المادية والأدبية لا حصر لها.
ولولا الحياء لغلقت تسعة أعشار الكنائس أبوابها.. من الفراغ.
أما في ربوع العالم الإسلامى كله، والأقطار العربية خاصة، فالحال على العكس: النصرانية تنتعش والكنائس تكثر، وطوائف الشباب والشيوخ تتلاقى عليها، والأموال الدافقة تجىء من منابع شتى لتدعم الطوائف المسيحية وترجح كفتها في ميادين العلم والإنتاج.
وأوربا وأمريكا من وراء هذا العون الواسع تخدمان به آمالها العريضة في القضاء على الإسلام، وإعادته إلى الصحراء من حيث جاء!
ومن يدرى؟ ربما قضيا عليه في الصحراء نفسها، كذلك يؤملون! ولذلك يفعلون!!
ومن ربع قرن وأنا ألاحق الهجوم الثقافى والسياسى على أمتنا وديننا.. والطلائع المؤمنة في كل مكان تشتبك معه وتحاول صده.
غير أن النتائج إلى الآن لا تسر، لقد سقطت جماهير كبيرة من الدهماء، وأعداد وفيرة من المتعلمين في براثن هذا الغزو المزدوج، وتاحت الفرص أمام الطوائف غير المسلمة، فأطلت برأسها تريد أن تشارك في الإجهاز على الفريسة.
وفى مصر رأيت عملًا مريبًا منظمًا يكاد يعالن بأنه يريد وضع الطابع النصرانى على التراب الوطنى في هذا الوادى المحروب.